“الجنوب بين الخوف والجمود”

بقلم / محمد علي رشيد النعماني ..
“لا تخشَ التقدّم البطيء، بل اخشَ الوقوف عند النقطة نفسها” – حكمة صينية
“قم بفعل شيءٍ واحدٍ يخيفك كل يوم” – إليانور روزفلت
هكذا تلخّص حكمتان بسيطتان جوهر التحدي الذي يواجه المشروع الوطني الجنوبي، بكل ما يحمله من طموحات وآلام، إخفاقات ونجاحات، وخطوات بطيئة وسط حقلٍ ملغوم بالتحالفات الهشة والتوازنات الدولية.
في القضية الجنوبية، لا تكمن الخطورة في بطء الإنجاز، بل في الجمود، في الركون إلى شعارات مكرّرة، أو استنساخ تكتيكات قديمة لواقع سياسي متغيّر. وهنا تقع مسؤولية “المجلس الانتقالي الجنوبي” باعتباره الكيان السياسي الأبرز تمثيلًا لهذه القضية في كسر الجمود والانتقال من “رد الفعل” إلى “صناعة الفعل”.
يفترض أن الجنوب قد تجاوز مرحلة رفع الشعارات، وانتقل إلى اختبار حقيقي: كيف يمكن تحويل الاعتراف الشعبي والسياسي إلى مشروع دولة؟ كيف يتحوّل الحضور في الشارع إلى وزن تفاوضي، والحلم السياسي إلى أدوات تأثير؟
“الزمن لا ينتظر المترددين”
منذ تأسيسه، قطع المجلس الانتقالي شوطاً مهماً في تمثيل الجنوب على الخارطة الإقليمية والدولية. لكنه يواجه الآن تحدياً من نوعٍ آخر: هل يستطيع أن يستمر بالمبادرة، لا أن يكتفي بردّات الفعل؟
ففي زمن التحولات السريعة، الثبات في نفس المكان قد يعني تراجعاً فعلياً وهنا تأتي أهمية الحكمة الصينية: التقدّم البطيء قد يكون خياراً إستراتيجياً إذا كان باتجاه واضح ومدروس، أما الوقوف عند النقطة نفسها فهو خطرٌ وجودي.
“الجرأة اليومية: استراتيجية بقاء”
أما حكمة إليانور روزفلت فهي دعوة إلى الجرأة اليومية، إلى كسر حاجز الخوف من المغامرة السياسية أو الانتقال من مناطق الراحة وهي دعوة تنطبق تماماً على المجلس الانتقالي في هذه المرحلة “الجرأة في إعادة تقييم الأدوات والآليات والجرأة في بناء شراكات جنوبية خارج الدوائر التقليدية والجرأة في مخاطبة المجتمع الدولي بخطاب سياسي متجدد والجرأة في نقد الذات وتطوير بنية القرار داخل المجلس نفسه”
ولكي نمضي نحو استراتيجية تراكمية وليست صدامية يجب علينا أن لا نختزل الطريق نحو استعادة الدولة الجنوبية في خطوة واحدة بل هو مسار تراكمي يتطلب الصبر والمرونة والقدرة على بناء شرعيات متعدّدة: شعبية، سياسية، ومؤسساتية فالفعل الجنوبي لا يُقاس فقط بما يُقال في المنابر، بل بما يُبنى على الأرض: أمناً، عدالةً، خدمات، نموذج حكم .
الحركات السياسية التي تصرّ على البقاء كـ”رمز نضالي” فقط، دون أن تتحوّل إلى “أداة تغيير واقعي”، غالباً ما تذوي مع الوقت والمجلس الانتقالي إن أراد أن يخلد في ذاكرة التاريخ عليه أن يتبنّى فلسفة التقدّم مهما كان بطيئاً وأن يجرؤ كل يوم على فعل شيءٍ جديد، حتى وإن كان مقلقاً أو غير مألوف .
فهكذا تُصنع التحولات الكبرى لا بالشعارات، بل بالجرأة اليومية والقرارات الصعبة ..