عن ماذا أبكي؟

بقلم /مريم الداحمة
مشاعري انهارت ولم تعد تحتمل وطأة أوجاعي التي تناثرت في كل زاوية عبرتها، كأن الدموع انسكبت من داخلي لتغرق شوارع قلبي الباكي.
تمشيت بين طرقات لا تنتهي، وكل خطوة تركت خلفها جرحًا لا يلتئم، ودموعي كانت تسبقني على غير موعد.
ألجأت نفسي إلى ظلمة البيت، أبحث عن ملاذ يوقف هذا الطوفان، لكن حتى شاشة التلفاز كانت مراياً لوجعي، تنتظرني بشوق وقسوة، متلهفة لتراقب دموعي وهي تتساقط كالسيل.
أطفأتها بقوة، ولم أجرؤ على مواجهتها مرة أخرى.
وعندما حاولت أن أتنفس، أن أهدئ قلبي بتصفح هاتفي، زاد الألم شدّة، وانهالت دموعي بلا توقف، كأن وجعي صار نهرًا لا ينضب.
فقل لي، على ماذا أكفّ عن البكاء؟
أعلى الأطفال المرمين في الشوارع، تتقاذفهم الأرصفة كأنهم قمامة؟
أعلى أكياس النفايات التي يُفتش فيها الصغار عن لقمة تسد رمقهم؟
أعلى الشيوخ الذين لم ترحمهم الحكومات ولا الحروب، فاضطروا لحمل الأثقال في زمنٍ أثقل منهم؟
أعلى المعلمين الشرفاء الذين أنشأوا أجيالًا وبُعثوا مكافأتهم برواتب لا تكفي حتى الخبز؟
أعلى من جاع ليسد ثمن دواء؟
أعلى أمٍ نشف حليبها من شدة الفقر، وطفلها يبكي بلا حيلة؟
أعلى أطفال اختاروا الأسواق بدل المدارس، علّهم يعثرون على فتات الحياة؟
عن مَن أبكي؟
عن أولئك الجنود الذين يعرفون أنهم قد لا يعودون، لكنهم لم يجدوا بابًا آخر يُطعم أطفالهم؟
عن أمٍ تصارع الموت، ودمعها يسيل شوقًا لولدها المغترب، قهرته الحياة فانتزعته من حضنها؟
عن آلاف الضحايا الذين صاروا مجرد صور على الشاشات؟
عن أطفال لا ذنب لهم، تُنتشل أجسادهم الصغيرة من تحت الأنقاض كأنهم حطام؟
عن غزة؟
عن أطفالها؟
عن أرواحهم التي احترقت، وأحلامهم التي قُطعت بأسلاك الحرب؟
أي ظلم هذا الذي نعيشه؟
أي عالمٍ هذا الذي يسمي ما يحدث واقعًا؟
أي قلوبٍ تلك التي اعتادت على مشهد المأساة ولم تعد ترتجف؟