رآي وفكر

صريح إلى حد الفجور في الصدق


بقلم – علي محمد سيقلي

اليوم، كالعادة، جلست مع صديقي الكذاب. هو لا يحتاج إلى أن أسأله، يبدأ الكلام من تلقاء نفسه، كأنه إذا سكت، توقفت ساعة الحائط عن الدوران.

قال لي وهو يرفع حاجبيه بثقة العارف، “الوضع الاقتصادي أنا متوقعه من زمان “دقي يانوس”، حتى قبل البنك الدولي نفسه”، ضحكت، قلت له: “لكن يا رجل، أنت قبل أسبوع ما كنت تعرف سعر البصل في السوق المركزي” فما بالنا بسياسة “البنك المركزي”، فأجاب بثقة الفيلسوف: “البصل فرع، أما الاقتصاد أصل”.

بعد قليل دخل في موضوع السياسة. “أنا قلت لهم، لو ما سمعوا كلامي، بتصير أزمة في البلد “.

قلت له: “متى قلت لهم؟ ولمن قلت؟”، رد بعين نصف مغمضة: “قلت لنفسي، والنفس أمارة بالحكمة، والحكمة ضالة المدمن”.

أقسم بالله، صديقي “الخراط” هذا لو جلس وحده، لخرج مقتنعاً أنه هو الذي وضع براميل حدود سايكس بيكو، وأن الكون يتنفس من فوهة بركان كريتر.

حتى في الأمور العادية، كنا ننتظر سيارة أجرة، فسأله أحدهم:”كم الساعة؟”، قال: “الساعة الآن ثمانية وخمس دقائق، وتسع ثوان، إلا إذا الحكومة أخرت التوقيت الصيفي”.

قلت في نفسي: يا سبحان الله، الرجل قادر يحول عقارب الساعة إلى مؤامرة على الجنوب.

المشكلة ليست في كذبه، بل في يقينه العجيب. يكذب، ثم يصدّق، ثم يجبرك أن تصدّق، وإلا فأنت جاهل لا تفهم “حكمته”.

صديقي الكذاب لا يعيش بيننا، بل يعيش في عالم موازٍ، حيث الحقيقة مجرد رأي، ورأيه وحده هو الحقيقة. ولو وضعته في غرفة وحده، لخرج بعد ساعة مقتنعاً أنه اكتشف سر الخلود، وأنه وحده لم يخطئ منذ أيام حرب الزماميط.

ولأني أحبه، كتبت له هذه اليوميات لأقول: يا صاحبي العزيز.. أنت صريح إلى حد الفجور، لكن في الكذب، ونصيحتي باختصار شديد اللهجة “وطي الذبالة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى