إلى القادة العرب تريدوها غزة بلا سكان أم سكان بلا غزة؟
كتب/منصور الصبيحي
وما زلنا نسمع الأمريكان يشددوا على مسألة حل الدولتين وتحقيق السلام العادل للفلسطينين واليهود، كل هذا يجري في الوقت الذي يقوموا بدعم السفاح نتنياهو في غزة على تقديم نموذج فريد من المجازر تخطت في بشاعتها بشاعة كل سفاح وطاغية قبله من جنكيز خان إلى نيرون إلى هتلر !.
الأمر مرعب ومرهق كثيرًا للعقل وللمتابع وذلك لما يكتنفه من المخادعة ومن الغموض تقريبًا، ولا مجالًا للقادة العرب من الدبلوماسية والمراوغة اليوم، فلقد تجاوز الكيان الصهيوني كل الخطوط الحمراء للاعراف الإنسانية والأخلاقبة ولم يبقى محددّا قانونيًا ودوليًا إلا انتهكه وداسه تحت اقدام جيشه المحشش بالتطرّف وبإرهاب الدولة، وما من شك بأن محاولة إمتصاص الصدمات وممارسة سياسة النفس الطويل التي أعتدناها تجاه فلسطين لم تعد تجدي نفعًا هذه المرة، فأما أن تتحرر وتستقيم الدولة أو آنّ لتضيع فنضيع جميعًا بعدها.
فُكلنا يعلم تمامًا بأن العدو الإسرائيلي لم يرسّم حدوده إلى اليوم وشعاره من البحر الى النهر ما زال قائمًا، وما حماس التي يتّخذ منها حصان طروادة ويمنّي النفس زوالها، ماهي إلا بداية لعبة جديدة ستتبعها أخر، وإذا ما استطاع إجبار سكان غزة على الرحيل إلى سيناء أو غير سيناء حتمًا سيلحقها يومًا بسكان الضفة الغربية باتجاه الأردن وسياتي زمنًا ليطرد الجمبع نحو مكانٍ آخر وهكذا دواليك حتى يستكمل بقية أهدافه.
ما من شك أن الصورة المنقولة إعلاميًا من غزة المحاصرة والتي مُورس عليها من قبل الجميع ولمدة عشرون عام أبشع صنوف القهر والإذلال تُغني عن الكلام والتعبير، فما يجري ليس إلا محاكاة لمحارق الهيلوكست النازية التي أوقعت آلاف الضحايا من اليهود أثناء الحرب العالميه الثانية، وابطلها هذه المرة هم أحفادهم المبعوثين من بين الرماد، أستيقظوا فجئة مذعورين من حماس ثم أعادوا تطبيقها على سكانها مستفيدين مما فهموه من أساليبها ودروسها الحقيرة وما حفظوه من أسرارها الدفينة وحكاياها المروّعة.
فتصعيد العمل الدبلوماسي والسياسي وتكثيف اللقاءات والإكثار من الشجب والاستنكار والإدانة وما إليها من تصريحات منمقة ودعائية، كل هذه وحدها لا تكفي ولكثرتها ملّ الجميع سماعها، وإذا لم ترافقها قرارات حاسمة ومواقف صلبة وشجاعة ترقى لمستوى خطورة الحدث بالتأكيد ستفسح المجال لأطراف أخرى تنتحل شخصية الحريص على قضايانا تقوم وتتمثل هذا الدور دخولًا من الباب نفسه وهو إنكفاءنا على الذات والهروب من تحمّل المسؤولية، وهي لنا كمن يدخل في نفقين معا ولا يعرف المخرج.
ومهما كانت فداحة وهول الموقف، وما سيلحق من تبعات ومن خسائر مادية ومعنوية مكلًفة إلا أنه لو حسبناها حساب دقيق هي لا تساوي شيئا مقابل تقاعص وخذلان نتج عنه تصفية وطمس القلب النابض فلسطين وشطبها من خارطة الأمّةً؛ فما ستتركه من إنطباعات سيئة على المزاج الجماهيري العام والخاص وما ستخلفه إنكسارات يصعب تخيلها، هي حتمًا في الأخير ستنعكس سلبا على تكامل ووحدة الصف لعربي، وقد ربما تفضي مستقبلا إلى تراجع قاعدة القومية العربية محفّزة ودافعة ببلدان تحكمها علاقات ثقافية ومصالح مع الأقرب لها جغرافيًا النأي بالنفس عن المظلة العربية لتتلبس بديلة تحفظ هيبتها وتجعلها اكثر قوة وتماسك دون عرضة للتأكل الحضاري والإنساني.
فلو قدر لأمة يجمعها لسانًا واحد ودينًا واحد وتاريخًا مشترك واحد أن يحلّ بجزءا منها ما حل ويحل بأهل غزة اليوم لكانت عملت المستحيل لتخليصها من محنتها وقامت بردات فعل عنيفة تجاه منظومة الحكم المتخاذلة التي تدير شؤونها، تزيلها من طريقها أو تجبرها على تغير موقفها والظهور بمظهر لائق ومشرّف.
وبما أننا أصبحنا نعيش كابوسًا مستمر لا ينفك عنا، وذلك بوقوعنا بين شعوبا ميتة ومسحوقة وبين مهزوزة ومهزومة نفسيًا ومعنويًا يصعب لملمة شتاتها، فصرخة واحدة ل–٧ أكتوبر لا تكفي لإيقاظنا من سباتنا وليس بإمكانها أن تبعثنا من بين الركام تجمع شملنا وتوحد رايتنا ونحن بهذا الشكل من التهتك والخراب، فما كرّس ولايزال يكرّس على واقعنا من حروب ومن أزمات ونكبات طالت معظم دولنا العربية الفاعلة المشحونة بالثورية وبالعاطفة الوطنية، لم يكن إلا إستعدادا لليوم الذي ستشرع فيه إسرائيل على تغييب شمس فلسطين إلى الأبد وهو ما يجري الآن الإعداد له على قدم وساق بمساعدة ومساندة الغرب والأمريكان.