فساد القطاع الصحي في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية يهدد حياة المواطنين

تعدّ الأخطاء الطبية في صنعاء ومناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين أمراً شائعاً ومعتاداً، لدرجة أن المريض الذي يقع ضحية تلك الأخطاء أو أقاربه يفقد حق الشكوى والمطالبة بالتعويض وتحقيق العدالة، والسبب يعود بحسب متضررين إلى تواطؤ السلطات الطبية والأمنية والقضائية التابعة للجماعة مع المستشفيات.
يقرّ القانون اليمني اختصاص المجلس الطبي الأعلى في النظر والبتّ في جرائم الأخطاء الطبية، على أن يجري النظر في الشكوى خلال عشرة أيام من تاريخ تقديم الشكوى، إلا أن المجلس الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية يتأخر في النظر في الشكاوى أشهراً طويلة، وقد لا يبتّ فيها إذا لم يقم صاحب الشكوى بالمراجعة المستمرة.
وتفسر مصادر في القطاع الصحي الذي تسيطر عليه الجماعة هذا التواطؤ بأن غالبية المستشفيات أصبحت مملوكة كلياً أو جزئياً لقيادات في الجماعة الحوثية، حيث لجأ الكثير من القادة إلى استثمار أموال الفساد والنهب في المستشفيات الخاصة.
مبنى وزارة الصحة الذي يسيطر عليه الانقلابيون الحوثيون في صنعاء (إكس)
وتوضح المصادر أن الكثير من القادة توجهوا إلى الاستعانة بأطباء لا يملكون خبرات كافية لإنشاء وتأسيس المستشفيات الخاصة، أو أجبروا مالكي مستشفيات قائمة على القبول بانضمامهم كشركاء فيها مقابل بعض الأموال وتوفير الحماية الأمنية والقضائية والإعفاء من الرسوم القانونية أو جبايات الجماعة.
عدالة مفقودة
تحدث غالبية الأخطاء الطبية في مناطق ومدن بعيدة عن صنعاء، وهو ما يعدّ عائقاً أمام المرضى وذويهم في التقدم بالشكاوى ومتابعة الإجراء للحصول على الإنصاف بحسب المصادر التي أكدت أنه في حال كان قرار المجلس منصفاً للمريض الضحية؛ سيحتاج إلى أكثر من القرار ليحصل على العدالة.
وتتهم الأوساط الطبية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية السلطات الطبية بالتواطؤ مع المستشفيات وابتزازها من أجل الحصول على الإتاوات منها مقابل الصمت على ما يحدث فيها من أخطاء طبية، وعدم إنصاف المرضى أو ذويهم.
ويصف طبيب في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» قرارات المجلس الطبي بأنها ضعيفة وهشة، فلكي يجري تنفيذها، يحتاج المريض أو عائلته إلى نافذين يسندونه أو أموال يدفعها كرشاوى للجهات الأمنية لإلزام خصومه بتنفيذ القرارات، إلا أن المستشفيات تملك نفوذاً أكبر في العادة.
ووفقاً للطبيب الذي طلب التحفظ على بياناته؛ فإن المستشفيات غالباً ما تكون مملوكة لشخصيات نافذة، أو تربطها بها علاقات مصالح، إضافة إلى أن مالكيها يفضلون دفع مبالغ كبيرة كرشاوى للتهرب من تعويض المرضى؛ بدلاً عن تنفيذ القرارات.
اليمنيون باتوا أكثر خوفاً على حياة أطفالهم في المستشفيات الخاضعة للحوثيين (رويترز)
ومنذ أشهر أفرجت محكمة تابعة للجماعة الحوثية عن أحد السكان بعد أن دفع رشوة، بصفة غرامة، بعد اتهامه بالتشهير بأحد المستشفيات التي توفيت فيها زوجته بعد أشهر من مكوثها في العناية المركزة نتيجة خطأ طبي أثناء إجراء عملية ولادة قيصرية.
ورغم صدور قرار من المجلس الطبي التابع للجماعة الحوثية يؤكد خطأ المستشفى وطاقمه الطبي، فإن العقاب اقتصر على إغلاقه لعدة أيام فقط، قبل أن يعاود نشاطه، ويقدم ملاكه شكوى بالرجل الذي ترك عمله في إحدى دول الجوار، وعاد لمتابعة حالة زوجته الصحية، قبل وفاتها متأثرة بالخطأ الطبي، ويضطر إلى جانب ذلك لخسارة مدخراته.
ورغم أنه دفع ما يقرب من ألفي دولار (مليون ريال يمني، حيث الدولار في مناطق سيطرة الجماعة يساوي 538 ريالا)؛ إلا أن المستشفى لا يزال يطالبه بالتعويض، ويتلقى التهديدات باستمرار.
عملية بلا مبرر
تُتهم السلطات الطبية للجماعة بممارسات فساد أدت وتؤدي إلى وقوع الأخطاء الطبية في المستشفيات التي تحصل على تراخيص مزاولة المهنة عن طريق الفساد أو دفع الرشاوى، إلى جانب إنشاء مستشفيات تابعة للجماعة وقياداتها.
وبحسب مراقبين لوضع القطاع الصحي في مناطق سيطرة الجماعة؛ فإن الفساد الذي انتهجته وممارساتها للسيطرة على القطاع وتحويله إلى مصدر إيرادات كانا سبباً في زيادة الأخطاء الطبية، وتحول المنشآت الصحية إلى نقاط تحصيل دون تقديم خدمات حقيقية للسكان.
وإلى جانب ذلك؛ فإن مخرجات العملية التعليمية والأكاديمية غير مؤهلة للعمل في القطاع الطبي بسبب الفساد الذي يبدأ عند السماح بالغش في امتحانات الثانوية العامة والتحاق غير المستحقين بكليات الطب التي تعاني بدورها من ضعف العملية التعليمية ونقص الخبرات والكوادر.