“ستارلينك”.. تكسر إحتكار المليشيات الحوثية لخدمة الإنترنت في اليمن؟ (تقرير)
منذ انقلاب جماعة الحوثي المصنفة دوليًا بقوائم الإرهاب وسيطرتها بقوة السلاح على العاصمة اليمنية صنعاء، في سبتمبر/أيلول 2014، حوّلت خدمة الاتصالات والإنترنت إلى أداة في حربها للسيطرة عل البلاد.
استحوذت الجماعة على البنية التحتية للاتصالات بما فيها شركة “يمن نت”، المزود الوحيد لخدمة الانترنت في البلاد، وفرضت قيودًا مشددة أمام الوصول إلى المعلومات.
خلال السنوات الخمس التالية للانقلاب الحوثي، بات الوصول إلى الإنترنت مكلفًا خاصة مع ارتفاع الأسعار، وتراجع جودته، وظل المستخدمون يعانون باستمرار، خاصة مع فرض رقابة مشددة، وحجب المواقع الإخبارية والمعلوماتية المحلية والدولية.
كما وجد العاملون في مجال الصحافة والإعلام أنفسهم تحت طائلة الرقابة والملاحقة، مما جعل ممارسة عملهم في تغطية الأحداث مهمة محفوفة بالمخاطر.
تقول المختصة في الأمن السيبراني، سمية مقبل، إن “قطاع الاتصالات للأسف أصبح مصدر دخل مربح للجماعة (الحوثية)، خاصة الآن مع مشروع الفورجي الذي يتميز بسرعة انترنت عالية، وسعر أيضًا مرتفع”.
وتضيف أن هذا القطاع يدر على الحوثيين الملايين، ويمكّنهم من “التحكم ومراقبة الشعب عن طريق شركات الاتصالات”.
وذكرت أن الجماعة قامت “بحجب العديد من المواقع والتطبيقات، ومراقبة العديد من الناشطين والحقوقيين، إضافة إلى إرهاب المجتمع بسبب معرفتهم أنهم مراقبين عن طريق الاتصالات”.
مقاومة القيود
مع تزايد القيود الحوثية، لجأ اليمنيون لاستخدام طرق بديلة للوصول إلى المعلومات، بدءًا باستخدام تطبيقات VPN، وتقنيات كسر الحظر للتغلب على الحجب المفروض المواقع الإخبارية والمعلوماتية.
إلا أن هذه الحلول كانت مؤقتة ومحدودة الفعالية، ولم تكن كافية لمواجهة الاحتكار الحوثي، نظرًا لتطور أدواتهم في حجب البرمجيات البديلة.
هذه القيود شكلت ضغوطًا نفسية ومهنية بالنسبة للصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، كونهم الفئة الأكثر تضررًا من مسألة احتكار الإنترنت، فضلًا عن أن جماعة الحوثي تُراقب النشاطات الإلكترونية باستمرار.
وطيلة السنوات الماضية، وثّقت تقارير حقوقية وصحفية عشرات القصص لصحفيين أخفتهم الجماعة قسرًا، وقضوا سنوات تحت التعذيب والحرمان بسبب عملهم الصحفي، فيما أجبرت آخرين على التوقف عن العمل، والبعض اضطر مغادرة المناطق الخاضعة لسيطرتها نحو مناطق الحكومة أو الهجرة للخارج بحثًا عن الأمان.
كل ذلك يأتي، وفق متابعين، من منطلق تسخير الإنترنت كأداة تجسس لمراقبة السكان وملاحقتهم، وسلاح لترهيب المجتمع، ما جعل الفضاء الرقمي ساحة تخضع لسيطرة شديدة وتحكم مطلق من قبل الحوثيين.
كسر القيود
بعد سنوات من المعاناة، استطاع الكاتب الصحفي، أسامة كربش، من أبناء مديرية المسراخ، ريف محافظة تعز، الاشتراك في خدمة إنترنت فضائي عالي السرعة بعد شرائه جهاز الاستقبال “ستارلينك” للإنترنت الفضائي.
بعدها قام بإعادة توزيع الخدمة عبر شبكات “واي فاي” للسكان المحليين في منطقته النائية والبعيدة عن مركز المدينة، متجاوزًا بذلك القيود الحوثية على متصفحي الإنترنت، وكسر الرقابة المشددة على النشاط الإلكتروني.
عن هذه التجربة، قال “كربش”، لـ“بران برس”: “لا يمكن مقارنة الإنترنت المحلي بالفضائي”.
وأضاف: بعد أن حجب الحوثيون عشرات المواقع الإخبارية والصحف والمجلات التي لا تؤيد فكرهم، والتطبيقات والمنصات التي تُستخدم للتواصل الحر، أصبح الوضع معقد للغاية، ووجدنا أنفسنا محاصرين بالقيود”.
وتابع: لكن الوضع اليوم يختلف كثيرًا مع وجود خدمة الإنترنت الفضائي التي كسرت الاحتكار الحوثي، وبرزت مؤخرًا كحل عملي، وخيار واعد”.
كثير من اليمنيين حصلوا من خلال “ستارلينك”، على انترنت عالي السرعة مقارنة بالخدمات التقليدية، وبعيدًا عن انقطاع الكابلات البحرية الناقلة للبيانات، واستطاعوا الوصول إلى الفضاء الرقمي بعيدًا عن القيود والرقابة.
وأكّد العديد من مستخدمي “ستارلينك”، أن دخول هذه الخدمة شكّل تحولًا كبيرًا؛ كونها توفر وسيلة اتصال فعّالة وآمنة بعيدًا عن الهيمنة والرقابة الحوثية، وخارج البنية التحتية المحلية الخاضعة لسيطرة الجماعة في صنعاء.
من التهريب إلى الرسمنة
قبل دخول خدمة “ستارلينك”، كانت المحافظات والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها، قد شهدت وجود نسبي لخدمة الانترنت الفضائي من خلال تهريب الأجهزة اللاقطة عبر شركات خاصة، وخصوصًا في محافظات عدن ومأرب وحضرموت وتعز.
إلا أنها ذات أسعار مرتفعة للغاية وذات جودة رديئة مقارنة بخدمة “ستارلينك”، فضلًا عن أنها مرتبطة بـ“يمن نت” الخاضعة للحوثيين، بالشراكة مع شركة ياه كليك (YahClick)، ومقرها الرئيسي بأبو ظبي، في الإمارات.
وفي أواخر أغسطس/آب 2024، أعلن الملياردير الأمريكي، إيلون ماسك، رسميًا إطلاق خدمة “ستارلينك” للإنترنت الفضائي في اليمن، كأول بلدان الشرق الأوسط يحصل على هذه الخدمة. وجاء الإعلان بعد أشهر من دخول الخدمة لليمن عبر التهريب.
من جانبها، رحبت الحكومة اليمنية المعترف بها، بإعلان “ستارلينك” بدء خدماتها في اليمن، لافتة إلى انتهاكات الحوثيين لخدمات الاتصالات والإنترنت، وتحويل الخدمة إلى وسيلة للتجسس على المواطنين والمنظمات الدولية والقيادات السياسية والعسكرية، ومراقبة الاتصالات ومنصات التواصل الاجتماعي.
وفق مهندسين في قطاع الاتصالات، فإن “ستارلينك”، ستغطي المناطق الريفية والبعيدة في اليمن، والتي تفتقر إلى بنية تحتية للاتصالات، كون الشركات المحلية ترفض الاستثمار أو إضافة أبراج ومحطات فيها.
وأوضحوا أن تكلفة الحصول على الخدمة رسميًا أصبح يكلّف نحو 600$ بعد كانت سابقًا تصل إلى 1600$ عن طريق التهريب، فيما تبلغ سداد الباقة المنزلية الشهرية بين 35-50$ بعد كانت سابقًا تكلف في السوق السوداء من 100-200$.
وبالنسبة لخدمة “ياه كليك” كانت تكلفة الحصول على الخدمة في مناطق الحكومة اليمنية تصل إلى نحو 3500$، فيما تكلفة الباقة بين 100$ إلى 600$.
تحذير وتهديد
اعتبر البعض خطوة إدخال خدمة “ستارلينك” إلى اليمن، ضـربةً موجعةً لجماعة الحوثي، وكسـراً لاحتكارها خدمة الإنترنت عبر مزوّد الخدمة الوحيد، كما اعتبروه تأميناً للاتصالات العسكرية الخاصة بالحكومة اليمنية.
فيما اعتبرت جماعة الحوثي هذه الخطوة خطرًا، وانتهاكًا للسيادة اليمنية، وإضـرارًا بالنسيج المجتمعي، محذَّرة المواطنين في مناطق سيطرتها من استخدام خدمات هذه الشركة، وتوعَّدت من يستخدمها أو يتداول أجهزتها.
المهندسة سمية مقبل، قالت لـ“بران برس”، إنه “بعد ظهور ستارلينك بدأت جماعة الحوثي بإطلاق الشائعات على الخدمة بأنها انتهاك للسيادة الوطنية، لأنها مرتبطة بشركات خارجية”.
وسخرت “مقبل”، من هذه الشائعات قائلة: “وكأن الانترنت الخاضع لهم من إنتاج شركاتهم الخاصة، وغير مرتبط بالشركات الدولية”.
وأوضحت أن “كل هذه الهرطقات على خدمة ستارلينك، تأتي بسبب خوفهم على خسارة قطاع اقتصادي مهم لهم، إلى جانب تحرر المجتمع من تتبعهم ومراقبتهم والوصول إلى فضاء الإنترنت المفتوح دون قيد أو حجب”.
خروج من العزلة
اعتبر الكثير من اليمنيين دخول خدمة الانترنت الفضائي لليمن رسميًا بارقة أمل لمواجهة الحصار الحوثي واحتكاره لخدمة الاتصالات والانترنت، معتبرين تبريراتها محاولة لإبقاء سيطرتها المطلقة على خدمة الإنترنت واعتبارها كأداة للسيطرة وسلاحًا لإرهاب المجتمع وتضليله.
وأكّدوا أن تحكم الحوثيين المطلق بخدمة الإنترنت عزل الشعب اليمني عن العالم المحيط، وأصبحت المعلومات التي تصل إليهم خاضعة لرؤية الجماعة فقط، فضلًا عن استخدامها كعقاب لسكان المناطق المحررة، وحرمانهم من حقهم في التواصل والوصول إلى المعلومة.
وبتوفّر خدمة الإنترنت الفضائي بسهولة، عدّه كثيرون كسرًا كليًا للهيمنة الحوثية، ونافذة للباحثين عن الحرية في فضاء رقمي واسع، وتحريرًا للشعب اليمني من القيود التي فُرضت عليه، فضلًا عن كونه حق إنساني أساسي، وأداة للحرية والتنمية