بيع الأوطان ليس وجهة نظر

كتب/ مناف الكلدي
نستغرب ونستهجن بشدة التصريحات الأخيرة للطفي شطارة، والتي دعا فيها بشكل صريح إلى تسليم العاصمة عدن بكاملها إلى رجل الأعمال هائل سعيد أنعم، وكأن عدن ملكية خاصة تُباع وتُشترى.
الغريب في دعوة شطارة أنها تأتي لصالح نفس الجهة التي سبق لنظام الاحتلال اليمني البائد، ممثلًا بالراحل علي عبدالله صالح (عفاش)، أن سلمها ميناء المعلا لعقود طويلة تمتد إلى مئة عام، في صفقة مشبوهة تمثل قمة الفساد والتفريط بمقدرات الوطن.
بدلًا من أن يطالب شطارة وأمثاله اليوم بإعادة الميناء والأراضي التي استولى عليها هائل سعيد بفعل نظام عفاش إلى ملكية الدولة والشعب، يطل علينا هذا الصوت النشاز بمطالب جديدة تدعو لبيع ما تبقى من شرف الوطن وتسليم العاصمة عدن بكاملها لرجل أعمال، وكأن التاريخ يعيد نفسه بثوب أكثر بؤسًا.
يزعم شطارة أن هناك تجارب عالمية لمدن سلمت إدارتها إلى مستثمرين، بحثنا عن هذه “النماذج” المزعومة فلم نجدها إلا في الخيال السينمائي، وتحديدًا في فيلم “عايز حقي” لهاني رمزي.
يحكي الفيلم عن “صابر الطيب”، شاب حاصل على بكالوريوس تجارة يعمل سائق تاكسي ويعاني من ظروف معيشية صعبة، مما يعيقه عن الزواج من خطيبته “وفاء”. بالصدفة، يعثر صابر على نسخة من الدستور المصري ويكتشف مادة تنص على أن لكل مواطن نصيبًا في الملكية العامة.
بناءً على هذا الاكتشاف، يقرر استغلال حقه ويطالب بحصته من المال العام، مما يثير ضجة واسعة. تبدأ رحلة صابر بجمع توكيلات المواطنين لبيع نصيبهم في الوطن، بل ويصل الأمر إلى تلقيه عروضًا من مستثمرين أجانب لشراء حصص الشعب.
وفي لحظة فارقة، يقابل صابر رجلًا مسنًا يحدثه عن تضحيات أبناء الوطن الذين سالت دماؤهم على ترابه دفاعًا عنه، ويختم حديثه بمقولته الشهيرة: “بيع يا عواد، بس بعد ما تبيع، لف الدنيا كلها وشوف إذا بتلاقي حد يبيع لك وطن تعيش فيه.”
تحدث كلمات الرجل أثرًا بالغًا في صابر، الذي يقرر التراجع عن بيع الوطن رغم ضغوط الطامعين بالثراء السريع من حوله.
هذا الفيلم الخيالي، الذي يحذر من العبث بمفهوم الانتماء الوطني، يبدو أنه قد تحول في ذهن شطارة إلى برنامج عمل سياسي حقيقي!
نسي شطارة، أو تناسى، أن الأرض التي يتحدث عنها ليست أرضًا عقارية للبيع أو الإيجار، بل وطنٌ سالت عليه دماء آلاف الشهداء دفاعًا عن الكرامة والحرية.
ولذلك نقول لشطارة وأمثاله:
إذا كنت لا ترغب بالبقاء في هذا الوطن، وتجد نفسك أكثر انسجامًا مع ثقافة البيع والتأجير العابرة، فالباب مفتوح لك إلى لندن أو إلى أي بقعة أخرى تناسب طموحاتك التجارية.
أما الوطن، فهو خط أحمر، وأرضنا ليست للبيع ولن تكون، لا لك ولا لغيرك.