اخبــار محليـة

الإعلامي عمر الصريري: سيف الإعلام الذي لا يهتز، وحارس الحق الفيدرالي الذي لا يهادن


بقلم: د. أمين العلياني

في زمنٍ يُباع فيه الوطن بالكلمات الرخيصة، ويُساوِم فيه البعض على الثوابت بالأوهام الزائلة، ينهض رجالٌ من صلب المعاناة، يحملون في قلوبهم جمرة المقاومة، وعلى ألسنتهم صواعق الحق، لا لشيء سوى إيمانهم القويّ الوهاج. يصنعون التاريخ بصبرهم، ويكتبون المجد بدمائهم، ويُذكّرون الأجيال بأن الحرية لا تُوهب، بل تُنتزع انتزاعًا. ومن بين هؤلاء، يبرز اسمٌ كُتب بحروف من نور ونار: إنه الإعلامي المميز عمر الصريري.

وُلد الصوت الصادح عمر الصريري عام 1982م في مديرية عمد بمحافظة حضرموت الوادي، تلك الأرض التي شهدت ميلاد العظماء وتنفّست عبق النضال منذ فجر الثورة الأكتوبرية ضد الاستعمار البريطاني حتى اليوم.

نشأ الإعلامي عمر الصريري في أحضان منطقة النُعير العريقة التي أنجبت أبطالًا كُثر، أبرزهم المناضل فيصل بن علي العطاس النعيري، رجل الدولة الجنوبية الذي رسم معالم الإدارة والتخطيط، وقاتل ببسالة ليرفع راية الجنوب عاليًا منذ انخراطه في الجبهة القومية، حتى تولّى محافظًا لشبوة عام 1969م، ثم لحضرموت عام 1970م، واستمر في العطاء كنائب لوزير الأشغال والإسكان، ثم مستشارًا لرئيس الجمهورية في عهد الوحدة المغدورة عام 1990م.

لم يكن الصريري مجرد ابن لتلك الأرض، بل كان وريثًا لمشروع نضالي لم ينقطع. حمل الراية وهو في ريعان شبابه عام 1997م، وانخرط في العمل الوطني منذ اللحظة الأولى التي هبّت فيها رياح الانتفاضة في وجه المحتل اليمني. غير أن آلة القمع لم ترضَ بعلوّ صوته، فواجه التهميش والإقصاء، وحُرم من أبسط حقوقه في التعليم والتأهيل، مما اضطره إلى الهجرة في عام 2002م، باحثًا عن كرامة تُصان وحقٍ يُحفَظ، حاملًا معه همَّ وطنه ومسؤولية أسرة طالها الظلم والحرمان، في منطقة يُعرف أهلها بشجاعة استثنائية ومقاومة لا تلين.

في أرض المهجر، لم يهدأ له بال، بل حوّل غربته إلى منبر نضال وصوتٍ للمقهورين. فأطلق من منصاته الإعلامية خنادق فضح جرائم الاحتلال اليمني، وكشف زيف مشاريع “اليمننة” التي حاولت تغليفها قوى الاحتلال بخطاب ناعم وأجندات محلية. لكن تغريدات الصريري النارية ومساحاته التفاعلية، ظلت صوتًا لا يخفت، وموقفًا لا يرهَب، تُذكّر الجميع بأن حضرموت ليست مجرد أرض، بل هي قلب الجنوب وروحه، وأن الفيدرالية الجنوبية ليست خيارًا سياسيًا، بل مصير وهوية.

اعتلى الصريري منصات التواصل بكلمات موجزة كالرصاص، وتحليلات حادّة كالسيف، فنجح في تفكيك الخطاب المضلل لبعض القوى الموالية للاحتلال، وفضح استغلال النفوذ القبلي لطمس الهوية الجنوبية. لم تكن كتاباته آراءً عابرة، بل إعلانًا للحرب على التزييف والتضليل، يقولها بكل وضوح: حضرموت جنوبية، ولن تُستعاد حقوقها إلا في إطار الجنوب الفيدرالي، وما عداه احتلالٌ مموّه.

ومن مدرسة “الصمرقع” الإعلامية، تحوّل عمر الصريري إلى أسطورة في الإعلام النضالي. مدرسة لا تعرف التردد، ولا تعترف بالمناطقية أو الاستسلام. إلى جانب رفاق دربه، الإعلامي المتبحّر شكري باعلي، ورجل الإقناع الفلسفي سعيد بكران، شكّل الثلاثة جدار صدٍ في وجه حملات التشويه، ليُذكّروا الجميع أن حضرموت لم تُهزم يومًا، ولن ترضى أن تكون عبدًا لاحتلال يتنكر بثياب الوحدة أو شعارات الحكم الذاتي والأقاليم.

كانت كلمات الصريري رصاصات في وجه الباطل، وصوتًا لا يخشى إلا الله، لا يساوم على الدماء التي سُفكت ظلمًا على تراب حضرموت الطاهر. فقد جسّد ثلاثية المناضل الحقيقي: ثبات الموقف، وضوح الرؤية، وشجاعة التعبير.

عمر الصريري هو ذلك الصوت الصادح الذي لا ينكسر. فبعد أكثر من عقدين من النضال، ما زال يقف كالطود الشامخ، يُذكّر الجميع بأن زمن الرجال لم ينتهِ، وأن حضرموت، التي أنجبت الأبطال، لن تتخلى عن أحفادها الحاملين مشعل الكفاح، وأن الجنوب، الذي ضحّى بأبنائه، لن ينسى أن حضرموت هي قلبه النابض.

إلى الأمام أيها الصنديد، فالطريق لا يزال طويلًا، ولكن لا غالب إلا بإرادة الأحرار؛ تلك الإرادة التي تشربها عمر من كنيته “الصريري”، التي دلّت على رأيه الصلب وموقفه الثابت، المنحدر من قبيلة عرفت الرفض والتمرد على الاحتلال، فصار صريريًا في اسمه، ونضاله، وكفاحه بالقول والفعل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى