“الأمر لم ينته بعد”… تقارير أميركية تكشف عن منشأة نووية جديدة يصعب إختراقها بالقنابل الأميركية الخارقة للتحصينات

-تشير تقييمات الاستخبارات الأميركية إلى أن إيران تطبق استراتيجية توزيع لبرنامجها النووي، حيث تنشر قدراتها على مواقع متعددة لضمان بقائها في حال تعرضها لهجوم.
-يعتقد معهد العلوم والأمن الدولي أن إيران قادرة على نشر آلاف أجهزة الطرد المركزي المتطورة سراً في مجمع الأنفاق الجديد في جبل الفأس.
-قبل الضربة العسكرية الأميركية، شوهدت 16 شاحنة تصطف خارج “فوردو”، حيث يعتقد أنه جرى نقل جزء كبير من اليورانيوم عالي التخصيب إلى موقع سري.
تقديرات متناقضة
منذ أن كشفت شبكة “سي أن أن” عن تقرير أعدته وكالة استخبارات الدفاع الأميركية، التابعة للبنتاغون أوضح أن الضربات العسكرية الأميركية على ثلاث منشآت نووية إيرانية نهاية الأسبوع الماضي لم تدمر المكونات الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، بل على الأرجح عطلته لأشهر فقط، صب الرئيس دونالد ترمب جام غضبه على الشبكة الإخبارية وعلى صحيفة “نيويورك تايمز” التي أكدت أيضاً معلومات التقرير الاستخباراتي، وهو ما دفع كبار مسؤولي إدارة ترمب مثل نائبه جي دي فانس ووزير دفاعه بيت هيغسيث ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد إلى تأكيد ما انتهى إليه ترمب من أن طموحات إيران النووية قضي عليها.
لم تنكر إدارة ترمب وجود التقرير الاستخباراتي الذي أشار إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب لم يدمر لأنه نقل من المواقع قبيل توجيه الضربات الأميركية، وأن أجهزة الطرد المركزي سليمة إلى حد كبير، وأن الهجوم لم يسفر عن انهيار المباني تحت الأرض، لكنها بدلاً من ذلك عدت التقييم بأنه أولي وسري للغاية ووصفته بأنه منخفض الثقة، بل اعتبرت أن هناك دوافع سياسية وراء تسريب المعلومات التي تضمنها، وأن تحقيقاً يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي جار لتحديد هوية المسرب.
يعتقد مسؤولون أميركيون أن إيران تحتفظ بمنشآت نووية سرية لم تستهدف في الضربة، ولا تزال قيد التشغيل
يكشف هذا الغضب على أعلى مستويات الإدارة مدى التهديد الذي تشكله هذه المعلومات إذا ثبتت صحتها في النهاية، لأنه إذا تبين أن البرنامج النووي الإيراني لم يتم القضاء عليه بعد، فقد يوجه ذلك ضربة قاصمة للرئيس الأميركي ترمب الذي تفاخر دوماً بالضربات الدقيقة وبكفاءة القوات الأميركية والطيارين وخطة إدارته الماهرة في تنفيذ العملية على أكمل وجه.
كما ستشكل هذه الحقيقة نكسة كبيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي بنى تاريخه على مواجهة إيران للتخلص من تهديدها النووي لإسرائيل، ويظهره بأنه غامر بحرب شاملة تعرضت فيها إسرائيل لحملة قصف بالصواريخ الباليستية الإيرانية لم تشهدها إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948، بينما فشل في تحقيق أهم هدف من هذه الحملة العسكرية الإسرائيلية الأميركية وهو تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل.
وما قد يزيد من الأمر سوءاً، أن احتفاظ إيران ببعض القدرات النووية بعد تعرضها لتهديد كبير خلال هذه الحرب التي جعلتها مكشوفة أمام سلاح الجو الإسرائيلي وفقدت عشرات من كبار قياداتها العسكريين وعلمائها النوويين، فضلاً عن تدمير الكثير من قدراتها العسكرية ومنشآتها الأمنية والاقتصادية وتعريض حياة مرشدها العام للخطر، قد يدفعها إلى التسريع بتخصيب اليورانيوم وبناء سلاح نووي ليكون رادعاً أمام أية هجمات عسكرية محتملة مستقبلاً من الإسرائيليين والأميركيين، وهو ما حذر منه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والعديد من الخبراء الاستراتيجيين في الولايات المتحدة وأوروبا
موقع جبل الفأس
ومع تسريب فحوى تقرير استخبارات الدفاع، تساءلت صحيفة “تيليغراف” عما إذا كان اليورانيوم المخصب قد نقله الإيرانيون إلى موقع يدعى “بيك أكس” أو “جبل الفأس” الذي يقع على بعد 90 ميلاً جنوب “فوردو”، وعلى بعد دقائق فقط من منشأة “نطنز” النووية في وسط محافظة أصفهان، حيث يعتقد أن إيران أخفت داخله اليورانيوم المخصب كمكان مثالي تحت هذا الجبل الذي يبلغ ارتفاعه 1608 أمتار فوق مستوى سطح البحر، أي أعلى بأكثر من 50 في المئة من الجبل الذي يبلغ ارتفاعه 960 متراً، والذي يضم منشأة “فوردو”، مما يوفر حماية معززة، وربما غرفاً تحت الأرض أكبر حجماً للعمليات النووية.
وتتزايد مخاوف البعض من أن إيران قد تستغل وقف إطلاق النار الهش مع إسرائيل الذي أبرمه ترمب، للقيام ببناء قنبلة نووية، وهو ما حذر الرئيس الفرنسي من حدوثه، لا سيما وأن خطة إيران الاحتياطية المحتملة في هذه المنشأة شديدة الحراسة، تظهر بحسب صور الأقمار الاصطناعية أنها توسعت سراً بعد الضربات للمنشآت الأخرى بتحصينات جديدة حول ما يبدو أنه موقع لتخصيب اليورانيوم. وقبل الضربة العسكرية الأميركية، شوهدت 16 شاحنة تصطف خارج “فوردو”، حيث يعتقد أنه جرى نقل جزء كبير من اليورانيوم عالي التخصيب إلى موقع سري.
وإذا كانت منشأة “فوردو” وصفت بأنها “جوهرة التاج” لبرنامج التخصيب النووي الإيراني، فإن حجم وعمق “جبل الفأس” يشيران إلى منشآت ذات قدرة تخصيب كبيرة قد تضاهي أو تتجاوز المحطة المتضررة في “فوردو”، إذ إن غرفه الجوفية تمتد إلى عمق أكبر ربما يتجاوز 100 متر تحت السطح، مقارنة بعمق “فوردو” الذي يتراوح بين 80 و90 متراً، ومن ثم يمكن أن يقلل البناء الأعمق بشكل كبير من فعالية القنابل الأميركية الخارقة للتحصينات المصممة لاختراق المنشآت تحت الأرض مثل قنبلة “جي بي يو 57″، القادرة على اختراق ما لا يقل عن 60 متراً (200 قدم) من الأرض قبل أن تنفجر، وبهذا ستواجه القنابل الضخمة التي تزن 30 ألف رطل، والتي استخدمت ضد “فوردو”، صعوبة في الوصول إلى أهدافها المخبأة في “جبل الفأس”، كما يقول رويل مارك غيريشت، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والذي يرى أن إضافة الأنفاق والمحيط الأمني حول هذه المنشأة من شأنه أن يزيد من تعقيد أي غارة “كوماندوز” تحاول تخريب المجمع.
ويعتقد الخبراء أن حجم المشروع يعني أن إيران قد تستخدم المنشأة ليس فقط لبناء أجهزة الطرد المركزي، ولكن أيضاً لتخصيب اليورانيوم، وبخاصة مع إقرار البرلمان الإيراني مشروع قانون لتعليق تعاونه مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية