سمر اليافعي أمام مجلس الأمن الدولي: شعبي لا يحتاج إلى كلمات تعاطف، بل إلى شراكة تعيد إليه كرامته

في جلسة خاصة عقدها مجلس الأمن الدولي بشأن الأوضاع الإنسانية في اليمن، ألقت سمر ناصر اليافعي، الرئيسة التنفيذية لمنظمة “يمن إيد”، كلمة مؤثرة نقلت من خلالها صورة قاتمة عن الواقع الإنساني الذي تعيشه البلاد، ووجهت مناشدة صريحة للمجتمع الدولي بضرورة التحرك العاجل لتخفيف معاناة ملايين اليمنيين. فيما يلي نص الكلمة
السيد الرئيس، أصحاب السعادة، الزميلات والزملاء الكرام،
بداية، أود أن أعرب عن بالغ امتناني للبعثة الدائمة لجمهورية باكستان الإسلامية، على جهودها المتواصلة في تسليط الضوء على الأزمة الإنسانية في اليمن، وعلى دعوتها الكريمة التي منحتني فرصة مخاطبة هذا المجلس الموقر بشأن واحدة من أكثر الأزمات تعقيدًا في عالمنا المعاصر.
أنا سمر ناصر اليافعي، الرئيسة التنفيذية لمنظمة “يمن إيد”، وهي منظمة إنسانية وإنمائية تعمل على الأرض، وتسعى لتقديم دعم شامل ومستدام للفئات المتضررة من حرب أرهقت البلاد لأكثر من عقد.
أتحدث إليكم من موقع القرب لا البعد، ومن واقع التجربة لا التحليل النظري، إذ اتخذت قرار الانتقال إلى اليمن في عام 2022، واخترت أن أكون قريبة من شعبي وأساهم ميدانياً في مسيرة التغيير.
جئتكم اليوم من العاصمة عدن، حاملةً معي قصصًا واقعية من الأرض، حيث يعيش الملايين واقعًا مأساويًا لا يحتمل التأجيل، واقعًا عنوانه الظلام والجوع والانكسار. في مدن بكاملها، تنقطع الكهرباء لأكثر من 20 ساعة في اليوم، وتتحول حرارة الصيف القاتلة إلى تهديد يومي لحياة المرضى والأطفال وكبار السن.
العملة المحلية تنهار بلا كوابح، والأسواق تغلي بأسعار لا ترحم، بينما الرواتب في القطاع العام منقطعة منذ أشهر، تترك الأسر في مهب الفقر والجوع، وتجبر الأمهات على الاختيار بين دواء لأطفالهن أو وجبة يسيرة تكفي ليوم واحد.
وخلال الأشهر الماضية، عايشت الآثار الكارثية للانخفاض المفاجئ في التمويل الدولي، لا سيما نتيجةً لتغير أولويات المانحين، مما أدى إلى توقف عمليات توزيع الغذاء، وإغلاق مرافق صحية، وتعليق برامج الحوالات النقدية، تاركًا مئات الآلاف في مواجهة المجهول.
ولقد زادت معاناة شعبي تفاقمًا نتيجة الاستهداف المتعمد من قبل ميليشيا الحوثي للسفن التجارية والإنسانية في البحر الأحمر وخليج عدن، بما في ذلك تلك التي كانت تحمل شحنات من الحبوب والأدوية والمواد الغذائية الأساسية. هذه الهجمات، التي تمثل شكلاً جديدًا من القرصنة، لم تعرّض فقط سلامة الملاحة الدولية للخطر، بل أدت كذلك إلى عرقلة وصول الإمدادات الحيوية إلى موانئ البلاد، ما فاقم من أزمة الأمن الغذائي، ورفع أسعار السلع الأساسية بشكل جنوني في بلد يعاني أصلاً من شلل اقتصادي وتجويع ممنهج.
وفي الوقت ذاته، ما زالت ميليشيا الحوثي الإرهابية تمارس الانتهاكات بحق العاملين في المجال الإنساني، من اعتقالات تعسفية، إلى التضييق على عمل المنظمات الدولية والمحلية، بما في ذلك وكالات تابعة للأمم المتحدة. إننا نحمّل هذه الميليشيات المسؤولية الكاملة عن سلامة زملائنا المحتجزين، وندعو إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عنهم.
على الجانب الآخر، لا بد من الإشادة بالتعاون المتنامي الذي لمسناه من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وخاصة في المناطق الجنوبية التي باتت تحتضن قرابة نصف سكان البلاد، نتيجة الانتهاكات المتواصلة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
كما نثمّن الجهود التي تبذلها السلطة المحلية في العاصمة عدن، رغم شح الإمكانيات وضغط النزوح والتحديات الأمنية والاقتصادية المتعددة. لقد برهنت السلطة المحلية على إرادة صادقة للعمل، وعلى قدرتها على التنسيق مع شركاء العمل الإنساني، وهو ما يستحق الدعم والتقدير.
ومع ذلك، فإن التحديات الهيكلية لا تزال قائمة. فالسلطات المحلية تعاني من ضعف البنية المؤسسية، وقلة الموارد، وغياب الدعم الفني والرقابي، ما يجعلها معتمدة بشكل شبه كلي على المساعدات الدولية لتوفير الخدمات الأساسية.
أما على مستوى القيادة العليا، فإن مجلس القيادة الرئاسي لا يزال يواجه صعوبات حقيقية في ممارسة مهامه، بسبب غياب اللوائح التنظيمية التي تضبط العلاقة بين مكوناته وبين السلطة التنفيذية، فضلاً عن تعدد التوجهات السياسية داخله، ما أبطأ من وتيرة الإصلاح، وترك فراغات إدارية ومؤسسية تحتاج إلى معالجة عاجلة.
السيد الرئيس، أصحاب السعادة،
إن شعبي لا يحتاج إلى كلمات تعاطف فقط، بل إلى شراكة حقيقية تضع كرامة الإنسان في صميم أولوياتها، وتدفع نحو سلام عادل ومستدام يعيد الأمل لملايين اليمنيين الذين طالت معاناتهم.
وفي هذا السياق، أرفع إلى مجلسكم الموقر التوصيات التالية:
- الضغط على ميليشيا الحوثي للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع العاملين في المجال الإنساني، ووقف الممارسات القمعية بحقهم.
- حماية خطوط الملاحة الدولية، ووقف الهجمات الحوثية على السفن التجارية والإنسانية في البحر الأحمر وخليج عدن، كونها تهدد الأمن الغذائي في البلاد.
• - تعزيز التمويل الإنساني طويل الأمد بما يكفل استمرارية البرامج الحيوية، خاصة في قطاعات الصحة، الأمن الغذائي، والتعليم.
- دعم السلطات المحلية في المناطق المحررة فنيًا وماليًا، بما يعزز قدرتها على إدارة الخدمات وتحقيق الاستقرار.
- مساعدة مجلس القيادة الرئاسي في تنظيم بنيته القانونية والمؤسسية، من خلال تقديم الدعم الفني والدبلوماسي اللازم لتعزيز فعاليته.
- العمل على إدراج مبادئ العدالة والمساءلة ضمن أي مسار سياسي قادم، وضمان عدم إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب.
•
أشكركم على حسن اصغائكم، وأتطلع من مجلسكم الموقر إلى تحرك جاد يتناسب مع حجم المعاناة والتحديات، ويعيد لأبناء شعبي ثقتهم بالعدالة، وبمستقبل أكثر إنسانية واستقرارًا