رآي وفكر

“هيكلة المجلس الانتقالي : بين ضرورات الدولة وتطلعات الشعب”

بقلم / محمد علي رشيد النعماني


في توقيت سياسي حاسم، جاء إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي عن استكمال هيكلته التنظيمية بمثابة خطوة نوعية تستحق الوقوف عندها، لا بوصفها مجرد ترتيبات إدارية داخلية، بل كتحول مفاهيمي ينقل المشروع الجنوبي من مرحلة “النضال الثوري” إلى مرحلة “الجهوزية المؤسسية”.

“ما بين تبسيط الهيكل وتعزيز الفعالية”
يعكس قرار تقليص الهيئات ودمجها في 11 هيئة مركزية توجهاً واضحاً نحو تقليص التداخلات، وتوحيد القرار، وإعادة هندسة العمل التنظيمي بما يضمن كفاءة أكبر وتناسقاً مؤسسياً. فبدلاً من تعددية كانت تؤدي إلى إرباك داخلي وتشظي في الصلاحيات، أصبحت هناك بنية أوضح تعكس منطق الدولة أكثر من منطق الحركة السياسية.
هذا التحول الإداري يُرسل أولى إشاراته إلى الداخل الجنوبي: “نحن بصدد بناء مؤسسة، لا مجرد كيان نضالي”. إنها رسالة ثقة، تفيد بأن القيادة الجنوبية تدرك أهمية الإعداد الجاد لليوم التالي، وتدرك كذلك أن الاستحقاق القادم لن يكون في الميدان فقط، بل على طاولة السياسة، وفي مقار صنع القرار.

“رسائل محسوبة بثلاثة اتجاهات”
للجنوبيين : القيادة تتغير وتتجدد فتح الباب لدخول شخصيات وازنة مثل الدكتور ناصر الخُبجي ضمن هيئة الرئاسة وتكليف كفاءات جديدة يمنح إشارات إلى السعي نحو توسيع الشراكة، وضخ دماء جديدة، والاقتراب من نبض القواعد.
للمعسكرات المعادية: التنظيم يعني الثبات. فكلما زادت قدرة المجلس على ضبط ذاته، كلما تقلّصت فرص خصومه في التلاعب بتناقضاته أو الرهان على هشاشته. الهيكلة تُغلق أبواب التشظي وتبعث برسالة: الانتقالي أكثر تماسكاً مما تتصورون.
للإقليم والعالم: الجنوب يتكلم بلغة الدول. بوجود هيئات للشؤون الخارجية، والاقتصاد، والقانون، وغيرها، فإن المجلس لا يكتفي بخطاب المطالب، بل يقدم نفسه بوصفه “شريك جاهز”، لديه مؤسسات وملفات، ويمكنه أن يكون طرفاً فاعلاً في أي تسوية سياسية قادمة.

بين “التنظيم” و”التموضع السياسي”
لا يمكن إغفال أن أي هيكلة هي أيضاً أداة لترسيخ النفوذ وضبط إيقاع الولاءات داخل البيت الداخلي. فدمج الصلاحيات بيد الأمانة العامة، برئاسة أمين عام جديد، يعزز مركزية القرار، ويمنح القيادة القدرة على توجيه العمل التنفيذي وفق رؤية متماسكة. كما أنها، بذكاء سياسي، تتيح مجالاً لتدوير المواقع وتحييد العناصر المربكة دون إثارة صدامات مباشرة.

“التحدي الحقيقي: ما بعد القرار”
نجاح هذه الهيكلة لن يُقاس بمجرد صدور القرارات، بل بتجلياتها على الأرض. هل ستنجح الهيئات الجديدة في رفع جودة الأداء؟ هل سيشعر المواطن الجنوبي بأن القرار وصل إليه؟ وهل سينعكس ذلك على الخطاب السياسي والإعلامي للمجلس؟
الخطر الوحيد هو أن تبقى هذه الهيكلة “جميلة على الورق”، دون أثر عملي، وهو ما قد يسمح لخصوم الانتقالي بتصويرها كزخرفة سياسية لا أكثر.

“الخلاصة”
قرار الهيكلة ليس فقط “تنظيفاً للبيت الداخلي”، بل هو تموضع جديد في مشهد إقليمي يتغير. هو استثمار في الشرعية المؤسسية، وإعادة ترتيب لأوراق المجلس استعداداً للمعركة السياسية القادمة، التي تحتاج إلى تنظيم أكثر من الهتاف، وعمل مؤسسي أكثر من الحماس الثوري .
إنها خطوة أولى في الطريق الطويل نحو الدولة… لكنها خطوة محسوبة، وواضحة المعالم.

..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى