جيوش وأسلحة العرب: لمن تجهز، ولماذا لم تستخدم بعد؟

بقلم: رائد الجحافي
يقدّر الإنفاق العسكري للدول العربية بمليارات الدولارات سنوياً، مما يجعل ميزانيات التسليح هي الأكبر عالمياً في نسبة الإنفاق مقارنة بالحاجة الفعلية للدفاع.
حسب إحصائيات عام 2024، يقدر الإنفاق العسكري لسبع جيوش عربية وإسلامية مجتمعة بـ184 مليار دولار، وهو ما يعادل نحو ثمانية أضعاف الإنفاق العسكري الإسـ ـرائـ ـيلي الذي يبلغ 24 مليار دولار فقط، مع حيازتها لآلاف الطائرات الحربية، والدبابات، والآليات المدرعة، والراجمات الصاروخية، ووحدات بحرية متعددة..
ومع هذا التسليح الهائل، لا تزال الجيوش العربية بعيدة عن ممارسة دورها ولو في الدفاع الحقيقي عن النفس، خصوصاً تجاه التهديد الرئيسي للعرب القادم، من الكيان الإسـ ـرائـ ـيلي.
وهذا الخوف من استخدام جيوشها واسلحتها للدفاع عن أراضيها وسيادتها يعود إلى وجود بعض العوامل، أبرزها الصراعات السياسية الداخلية والانقسامات بين الدول العربية، التي بدأت منذ رحيل الزعيم جمال عبدالناصر، حيث أدى التمزق السياسي إلى ضعف إرادة الحكومات العربية في استخدام قوتها العسكرية، خصوصاً ضد إسـ ـرائـ ـيل، ما جعل هذه الجيوش تتفرغ لمهام أخرى غالباً يقتصر دورها على خدمة الأمن الداخلي ودعم الأنظمة الحاكمة بدلًا من حماية سيادتها الوطنية..
إن إنفاق هذه الموازنات الهائلة على الجيوش العربية لم يترجم إلى استخدمها في التصدي لعدوان خارجي حقيقي أو حماية الحدود، بل كثيراً ما تحولت إلى نوع من التهدئة المؤقتة التي تمنع استخدام السلاح خوفاً من تبعات سياسية وأمنية داخلية، أو بسبب ترتيبات دولية وإقليمية تضمن حماية نسبية عبر تحالفات مع قوى كبرى، يغلب عليها التبعية الخارجية والتعاقدات العسكرية المرتبطة ببيع الأسلحة.
كما أن الاعتمادية على استيراد السلاح من الخارج دون بناء قاعدة صناعية عسكرية ذاتية أضعف من قدرة الدول العربية على التحكم في أوقات وأسباب استخدام هذه الأسلحة..
هذا الواقع -المتناقض عسكرياً- يُبرز أزمة أكبر تتعلق بفقدان الإرادة السياسية وعدم الاستعداد لتحمل تبعات مواجهات جوهرية، حيث حافظت هذه الجيوش على دورها في مراقبة الداخل والسيطرة الأمنية على شعوبها، لكنها تخلت عن دور حماية سيادتها الوطنية وحماية قوميتها وحتى مقدساتها. لذا، تحولت تلك الموازنات الطائلة من أداة قوة للدفاع وللمقاومة إلى عبء اقتصادي كبير على خزائن الشعوب العربية، الذي يؤثر بشكل مباشر على موارد التنمية والتطوير للبنى التحتية..
في المحصلة، يبقى السؤال الجدلي مطروحاً بوضوح: لمن تجهز هذه الجيوش؟ ولماذا لا تُستخدم أسلحتها إلا في تعبير ضيق جداً تحت مسميات حراسة الحدود ومن أجل أمن الأنظمة الحاكمة وليس أمن الشعوب؟
بالتأكيد لا يمكن تجاوز هذه القضية سياسياً وعسكرياً دون استراتيجية موحدة وعملية تعيد توجيه هذه القدرات نحو حماية الأمن القومي العربي ومصالح الشعوب العربية الحقيقية، بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة والانقسامات التي أعاقت فعالية الجيوش وأسهمت في ضعفها أمام التحديات الحقيقية..
وطالما لا توجد الجرأة والشجاعة والإرادة السياسية بعد لدى أنظمة الحكم العربية، فمن الأولى تسخير هذه الموازنات الهائلة في مجالات أخرى على الأقل تسهم في تقدم الدول العربية وازدهارها..
حيث تشير كثير من الدراسات الاقتصادية، أن حجم الإنفاق العسكري الكبير يؤثر سلباً على التنمية في الدول ذات الموارد المحدودة. يستهلك جزء كبير من الموارد المالية في التسليح مما يحرم قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية من التمويل الكافي، ما يعرقل النمو الاقتصادي ويزيد من الفقر والبطالة..
بل يذهب بعض الخبراء العسكريين وخبراء التسليح أن الدول العربية التي تبدد مبالغ مالية كبيرة في الإنفاق العسكري على جيوشها وترسانتها التسليحية دونما اي جدوى منها بإمكانها أن تصبح دول منتجة للأسلحة التي تضاهي السلاح المستورد في حال خصصت ما نسبته 50% من موازناتها العسكرية تلك لصالح الإستثمار في مجال التصنيع العسكري المحلي لها..