رآي وفكر

الرئيس عيدروس الزبيدي من الاحتفالات الوطنية إلى كواليس الدبلوماسية الدولية

بقلم : د. أمين العلياني

في حركة دبلوماسية محكمة، انتقل الرئيس عيدروس الزبيدي مباشرة من منصات الاحتفالات الأكتوبرية التي اجتذبت جماهير غفيرة، إلى أروقة السياسة الدولية، حيث التقى على هامش رحلة إلى أبوظبي بالسفير الأمريكي، ليتلقى بعدها مباشرة دعوة رسمية من سفير روسيا العظمى، مجسدًا بذلك الانتقال الاستراتيجي من الحشد الشعبي إلى التأثير في دوائر صنع القرار الدولي، وهذه الحركة الدبلوماسية المتسارعة لا تعكس فقط حنكة سياسية، بل ترمز إلى تحول جوهري في أداء قيادات الجنوب، في لحظة تاريخية يشهد فيها النظام العالمي تحولات مصيرية تتصدع فيها هيمنة القطب الواحد، وتبرز فيها دول الجنوب العالمي كفاعل مؤثر في معادلة القوى الدولية، وفقًا لتحليلات مراكز بحثية للدراسات حول ديناميات التغيير في النظام الدولي.

الرئيس الزبيدي: التفويض الشعبي منصة للانطلاق إلى العالم

لم تكن مشاركة الرئيس الزبيدي في الاحتفالات الأكتوبرية مجرد مناسبة وطنية عابرة، بل كانت بمثابة تفويض شعبي صريح، منح شرعية قوية للانطلاق إلى المعترك الدبلوماسي الدولي حاملًا قضية الجنوب العادلة واستعادة دولتنا الجنوبية الفيدرالية المنشودة، وهذا التفويض هو الذي منح خطوته الدبلوماسية الزخم والمصداقية، حيث أصبح يمثل إرادة جماهيرية لا يمكن تهميشها.

لقد أدرك الرئيس عيدروس الزبيدي أن القضايا العادلة في عالم اليوم لم تعد تُطرح بفعالية عبر الخطابات الإنشائية وحدها، بل بلغة المصالح المتبادلة والتحالفات الاستراتيجية، وهو ما يتسق مع استراتيجيات دول الجنوب التي تتبنى سياسة التحوط للحفاظ على خياراتها في نظام دولي متعدد الأقطاب.

اللقاء الأمريكي في أبوظبي: حوار الاستماع الأولي

شكل اللقاء الذي جمعه بالسفير الأمريكي في أبوظبي الخطوة التمهيدية في هذه الحملة الدبلوماسية، ولم يكن هذا اللقاء محض صدفة، بل كان لقاءً مدروسًا في عاصمة إماراتية تمثل همزة وصل بين الشرق والغرب، وخلال هذا اللقاء، تمكّن الرئيس عيدروس الزبيدي من تقديم صورة واقعية عن حجم التأييد الشعبي الذي تتمتع به قيادة الجنوب وقضيته العادلة، وإيصال رسالة مفادها أن أي حلول مستقبلية للمنطقة لا يمكن أن تنجح دون الأخذ بعين الاعتبار التطلعات المشروعة لأبناء الجنوب في استعادة دولتهم المستقلة التي تعد الضامنة الحقيقة على أهم الموانئ والممرات الدولية، وقد أتاحت هذه الخطوة اختبار pulse الوضع الإقليمي والدولي، واستكشاف المواقف المختلفة تجاه قضية الجنوب في لحظة تشهد فيها السياسة الأمريكية تجاه المنطقة تقلبات كبيرة، كما كان واضحًا خلال فترات حكم سابقة .

الدعوة الروسية: الاعتراف بالوزن الاستراتيجي للرئيس الزبيدي:

إذا كان اللقاء الأمريكي يمثل خطوة استباقية، فإن الدعوة الرسمية التي تلقاها الرئيس عيدروس الزبيدي من سفير روسيا العظمى تمثل نقلة نوعية في مسار الدبلوماسية الجنوبية؛ فاستجابة الدبلوماسية الروسية، التي تُعد أحد أهم أقطاب النظام الدولي الناشئ، لإيصال الدعوة مباشرة، تكرس الاعتراف الدولي المتزايد بوزن الرئيس عيدروس الزبيدي كممثل شرعي لتطلعات شعب الجنوب وقضية شعبه العادلة، وهذا اللقاء لم يعد مجرد زيارة بروتوكولية، بل هو إعلان ضمني بأن قضية شعب الجنوب قد دخلت بشكل فعلي في جدول أعمال القوى الدولية الكبرى، في وقت تبحث فيه روسيا عن شركاء جدد في ظل نظام دولي متشكل، حيث تتصدع فيه هيمنة القطب الواحد، وتبرز فيه تكتلات مثل البريكس كمنصات مؤثرة .

قضية الجنوب في أروقة صنع القرار: من الخطاب إلى الفعل

لم تكن هذه الجولة الدبلوماسية مجرد لقاءات بروتوكولية، بل كانت منصة فعالة لـطرح قضية شعب الجنوب العادلة أمام دول ذات تأثير مباشر على القرار الدولي، وبهذا فقد تجاوز الرئيس عيدروس الزبيدي في هذه اللقاءات خطاب التظلم إلى خطاب الشراكة المحتملة، مبرزًا الموقع الاستراتيجي للجنوب، وإمكانياته الاقتصادية، وإرادة شعبه السياسية، كعوامل يمكن أن تسهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي وتعزيز المصالح المشتركة، وهذا النهج يتوافق مع رؤية دول الجنوب العالمي التي تسعى لتعزيز صوتها في الحوكمة العالمية من خلال التعاون وتقديم نماذج فعالة في إدارة الأزمات .

خلاصة: دبلوماسية الرئيس الزبيدي في الجنوب وصناعة المستقبل

إن الجولة الدبلوماسية التي قادها الرئيس عيدروس الزبيدي تمثل أنموذجًا متقدمًا لدبلوماسية الجنوب العالمي في مرحلة التحول الدولي الراهنة، فهي تجمع بين الحنكة السياسية في استثمار المناسبات الشعبية، والجرأة الدبلوماسية في خوض غمار اللقاءات الدولية المباشرة، والحكمة الاستراتيجية في تنويع الشركاء الدوليين، وهذه الدبلوماسية لا تنطلق من منطق الالتماس، بل من منطق الشراكة الذي يعترف بالوزن الاستراتيجي للجنوب وقضية شعبه، وبحقه في تحديد مصيره.

إن الانتقال من منصة الاحتفال الشعبي إلى كرسي المفاوضات الدولية هو أقوى رسالة يمكن إرسالها إلى المجتمع الدولي: أن قضية شعب الجنوب لم تعد شأنًا داخليًّا يمكن تجاهله، بل أصبحت جزءًا من المعادلة الإقليمية والدولية التي يجب التعامل معها بجدية، وفي ظل عالم يتجه نحو تعددية الأقطاب بشكل لا رجعة فيه، حيث تتراجع الهيمنة الأحادية وتبرز قوى جديدة، فإن دبلوماسية الرئيس عيدروس الزبيدي تمثل استشرافًا للمستقبل، واستعدادًا ذكيًّا لمرحلة جديدة من تاريخ المنطقة، تكون فيها لدول الجنوب، ومنها الجنوب العربي، كلمة مسموعة، ودور فاعل في تشكيل النظام الإقليمي والدولي الجديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى