رآي وفكر

دخان الموت خلف أسوار المجمع الصحي في التواهي.

بقلم. علي سيقلي


في الوقت الذي ينتظر فيه المواطن من المرافق الصحية أن تكون مصدر عافية، لا مصدر أذى، يطل علينا مشهد مؤلم من خلف أسوار المجمع الصحي في مديرية التواهي، حيث تُحرق الأدوية والحقن والمخلفات الطبية في العراء، وبطريقة تفتقر لأبسط معايير السلامة والوعي الصحي.
دخان كثيف، روائح خانقة، وسُحب من السموم ترتفع كل يوم لتتسلل إلى بيوت الناس، وإلى صدور الأطفال وكبار السن، في مشهد يعكس استهتارًا خطيرًا بأرواح البشر قبل القوانين.
هذا الفعل ـ الذي بات عادة متكررة رغم التحذيرات والشكاوى المتكررة من السكان ـ لا يمكن وصفه إلا بأنه جريمة بيئية وصحية مكتملة الأركان. فالمخلفات الطبية ليست نفايات عادية، بل هي قنابل بطيئة المفعول، تحمل بقايا دماء ملوثة ومواد كيميائية قاتلة، تُسبب أمراضًا تنفسية وجلدية، وقد تنقل العدوى عبر الهواء والرماد.
ما يقوم به المجمع الصحي في التواهي ليس مجرد خطأ إداري، بل انتهاك صريح لكل لوائح وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية التي تؤكد على ضرورة التعامل مع النفايات الطبية بطرق علمية آمنة، عبر الحرق في أفران مخصصة ذات حرارة عالية وتحت إشراف فني، وليس في حوش مكشوف يطل على منازل المواطنين!
إننا نوجّه هذه الرسالة إلى وزارة الصحة العامة والسكان، وإلى السلطة المحلية في مديرية التواهي، وإلى كل مسؤول يملك ضميرًا، ليتحرك فورًا ويوقف هذا العبث بالصحة العامة. فصحة الناس ليست تفصيلًا ثانويًا، ولا يجوز أن تُترك رهينة قرارات غير مسؤولة أو إهمال مزمن.
ولإدارة المجمع الصحي نقول:
الطب مهنة إنسانية قبل أن يكون وظيفة، ومسؤوليتكم لا تنتهي عند باب العيادة أو غرفة الحقن، بل تبدأ من هناك، وتمتد إلى حماية البيئة التي يعيش فيها الناس. إن ما تحرقونه في فناء المجمع اليوم، قد يكون ما يتنفسه أطفالكم غدًا.
إنّنا لا نطالب بالمستحيل، بل فقط بتطبيق أدنى درجات السلامة والمسؤولية المهنية. فالتوعية أولًا، والمساءلة ثانيًا، والحلول البديلة متاحة لو وجدت الإرادة الصادقة.
صحة المواطن ليست سلعة، وبيئته ليست مكبًّا للنفايات الطبية.
كفى عبثًا، فالدخان الذي يخرج من حوش المجمع ليس بخارًا عابرًا…
إنه دخان حياة تُحرق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى