رآي وفكر

دراسة تحليلية في خطاب عمر بن حبريش: بين المطالبة بالحق الحضرمي وتناقضات الطرح السياسي

إعداد: د. أمين العلياني

مقدمة
يشكل خطاب المقدم عمر بن حبريش، وكيل أول محافظة حضرموت ورئيس حلف قبائل حضرموت، محطة جدلية في المسار السياسي للمحافظة، لا سيما في ظل تحولات محلية وإقليمية معقدة، تتقاطع فيها مشاريع الدولة الجنوبية والفيدرالية اليمنية والهيمنة العسكرية للقوى الشمالية. تأتي هذه الدراسة التحليلية لفهم أبعاد الخطاب الذي ألقاه بن حبريش مؤخرًا، لا من حيث محتواه الظاهر فحسب، بل من حيث البنية العميقة التي تنطوي على توجهات غير معلنة، تتصل بمشاريع إعادة التموضع السياسي وإعادة تشكيل مراكز النفوذ في حضرموت.

أولًا: الخلفيات السياسية والاجتماعية للخطاب

  1. السياق المحلي
    شهدت حضرموت في السنوات الأخيرة تصاعدًا في الحراك السياسي، نتج عنه انقسام داخلي بين:

مؤيدي المشروع الجنوبي الداعي إلى استعادة الدولة الفيدرالية.

ومكونات قبلية وقوى حزبية (مؤتمرية، إخوانية) ترى في الحكم الذاتي إطارًا مقبولًا لمواجهة هيمنة الأطراف الأخرى.

ظهر هذا الخطاب في لحظة ضعف للمجلس الرئاسي، الذي لم ينجح في تحويل الدعم الإقليمي والدولي إلى مشاريع تنموية أو قرارات سيادية لصالح حضرموت، ما خلق بيئة خصبة لخطابات الاحتجاج المحلي والمطالبة بالتمثيل الحصري.

  1. إعادة تعريف “التمثيل الحضرمي”
    بن حبريش قدم نفسه ممثلاً شرعياً وحصريًا لحضرموت، متجاهلًا الشرعيات الأخرى، سواء كانت سياسية (مثل المجلس الانتقالي الجنوبي)، أو رسمية (مثل النائب البحسني). هذا التوجه لا يخلو من محاولة احتكار التمثيل، وهي استراتيجية سياسية تهدف إلى فرض نفوذ قبلي بمضمون سياسي، دون المرور عبر الأطر المؤسساتية المتعارف عليها.

ثانيًا: تحليل الخطاب من حيث الشكل والمضمون

  1. الخطاب الهوياتي: العاطفة مقابل السياسة
    اعتمد الخطاب على استثارة الهويات المحلية، دون التأسيس لرؤية سياسية متكاملة أو برنامج واضح.

حديثه عن “حضرموت لأبنائها فقط” حمل طابعًا إقصائيًا، يعكس ضيق أفق في قراءة التعدد داخل المجتمع الحضرمي.

  1. الازدواجية في المواقف
    انتقد المجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي رغم اختلاف مشروعهما، واتهمهما بالعجز، في تناقض يكشف أن الهدف من النقد ليس الإصلاح بل تهميش المنافسين السياسيين.

دعا إلى تشكيل قوات جديدة بدعم سعودي، متجاهلاً وجود “النخبة الحضرمية” و”درع الوطن”، ما يثير تساؤلات حول أهدافه الحقيقية من عسكرة المجتمع.

  1. تجاهل التهديدات الحقيقية
    لم يتطرق لوجود القوات الشمالية في وادي حضرموت (المنطقة العسكرية الأولى)، وهي نقطة مركزية في خطاب أبناء حضرموت المؤيدين للمشروع الجنوبي.

هذا التجاهل يُفسر بأنه إما تقارب خفي مع قوى الشمال، أو محاولة لتوجيه الصراع نحو الجنوب بدلاً من الشمال، ما يضعف مصداقية الطرح.

ثالثًا: الأبعاد الإقليمية والدور السعودي

  1. الخطاب تجاه السعودية: دعم غير معلن أم استغلال سياسي؟
    أشار بن حبريش إلى تلقيه وعودًا صادقة من السعودية بشأن التجنيد والدعم. هذه الإشارة تطرح إشكاليات متعددة:

هل تتعامل السعودية مع قوى قبلية خارج الإطار الرسمي للمجلس الرئاسي؟

هل يعد هذا تجاوزًا للشرعية، أم تعبيرًا عن واقع موازٍ في السياسة السعودية بالجنوب؟

  1. إساءة ضمنية للمملكة
    الخطاب قدم السعودية وكأنها تسحب الثقة من الحكومة الشرعية، وتدعم مشاريع موازية، وهو أمر يسيء لصورة المملكة بوصفها راعية للتحالف العربي.

رابعًا: التناقض بين الشعارات والممارسة
تحدث عن “توحيد الصف الحضرمي”، لكنه مارس خطابًا قبليًا تفكيكيًا.

طرح نفسه بديلاً عن النائب البحسني رغم أن الأخير هو الممثل الرسمي لحضرموت في المجلس الرئاسي.

تجاهل التنسيق مع القوى الجنوبية التي تشكل جزءًا أصيلًا من المكون الحضرمي، خاصة في ظل مشاركة حضرموت القوية في مؤسسات المجلس الانتقالي.

خامسًا: الأهداف الخفية والتداعيات المحتملة

  1. أهداف خفية
    إعادة إنتاج الزعامة القبلية في قالب سياسي.

كسب تأييد مناصرين عبر شعارات العاطفة والهُوية دون مشروع واضح.

التحالف الضمني مع قوى الشمال، مقابل استعداء المشروع الجنوبي.

  1. تداعيات محتملة
    خلق حالة من الانقسام داخل النسيج الحضرمي.

تقويض شرعية المؤسسات الرسمية.

زعزعة جهود التنمية والاستقرار.

إعطاء القوى الشمالية مبررًا للبقاء والتغلغل مجددًا في وادي حضرموت.

سادسًا: نحو تقييم شامل للخطاب
يمكن القول إن خطاب بن حبريش:

يفتقر إلى الاتساق الداخلي.

يحمّل المملكة العربية السعودية مواقف لم تعلنها رسميًا.

يتجاهل السياقات القانونية والسياسية لتمثيل حضرموت.

يمارس الإقصاء السياسي تحت عباءة “التمثيل الهوياتي”.

يسعى إلى عسكرة الحراك السياسي، ما ينذر بعودة الصراع بدل الحل.

الخاتمة
خطاب المقدم عمر بن حبريش يمثل نموذجًا لخطاب سياسي يعكس أزمة التمثيل والتشظي داخل محافظة حضرموت. ورغم تظاهره بالدفاع عن الحقوق الحضرمية، إلا أن مضمونه يكشف عن نزعة فردية، وتحالفات انتقائية، تكرس الانقسام، وتعيد إنتاج الهيمنة القبلية على حساب الدولة والمشروع الوطني. في هذا السياق، تبقى الحاجة ملحة لخطاب جامع، يستند إلى الشرعية، ويعمل ضمن مؤسسات الدولة، دون أن يتحول إلى أداة استقطاب أو تفتيت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى