مصر ومواقفها الدبلوماسية من عدن وهرجيسا

د. صبري عفيف العلوي
منذ تسعينيات القرن الماضي، تراجع الدور المصري في المشهد العربي بشكلٍ ملحوظ، ويُعزى ذلك إلى عدة عوامل جيوسياسية، في مقدمتها ضعف الحضور المصري في البحر الأحمر وخليج عدن، مما أدى إلى اختفاء دورها الفاعل باستثناء بعض الملفات التي بدت – للأسف – منحازة ضد إرادة شعبي اليمن الجنوبية وأرض الصومال (صوماليلاند). فرغم عدالة القضيتين، سعت القاهرة إلى تهميشهما دبلوماسيًا، في وقت أصبحت فيه هاتان المنطقتان تشكلان عمقًا استراتيجيًا بالغ الأهمية لأمن البحر الأحمر.
إن السياسات المصرية المتذبذبة تثير التساؤلات:
من المستفيد من تجاهل القاهرة لهاتين القضيتين؟
وهل يمكن لمصر أن تضمن أمنها القومي دون الاعتراف بالدور المحوري الذي تلعبه عدن وهرجيسا في حماية المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهو الامتداد الطبيعي لقناة السويس؟
ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود، ما تزال مصر تتخذ مواقف تتعارض مع تطلعات شعب أرض الصومال، متذرعة بدعم “وحدة الصومال” و”وحدة اليمن”، متناسية أن هذين البلدين فُرضت عليهما الوحدة بالقوة العسكرية، تلك الوحدة التي فشلت مصر وسوريا في تحقيقها في الزمن الجميل.
دائمًا ما تطالعنا الدبلوماسية المصرية بإعلاناتها عن استعدادها لبناء قدرات مؤسسات مقديشو وصنعاء، وهما سلطتان داعمتان للإرهاب ومزعزعتان للأمن والاستقرار في المنطقة، في حين أن الشعب المصري هو المتضرر الأكبر من مواقف كهذه. وفي المقابل، تتجاهل مصر واقعًا سياسيًا مستقرًا في هرجيسا، وتجربة ديمقراطية حقيقية تستحق التقدير لا التهميش.
وتلزم الصمت تجاه ثورة سلمية شعبية جنوبية مناهضة لمعاناة شعب الجنوب الذي يتعرض لحرب إبادة ونفي وتشريد منذ صيف عام 1994 وحتى هذه اللحظة. وما تزال المواقف المصرية مناهضة أو سلبية تجاه قضية هذا الشعب، مما يجعلنا نستغرب هذه المواقف، على رغم كل ذلك، فلا يزال شعب الجنوب يكنّ الاحترام للشعب المصري ويأمل في دور إيجابي من القاهرة، انطلاقًا من الروابط التاريخية والمصالح المشتركة والقضايا الأمنية والجيوسياسية المصيرية.
فهل تدرك مصر أن أمن البحر الأحمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال شراكة حقيقية مع القوى الجنوبية الفاعلة في عدن وهرجيسا؟
وهل تدرك أن استمرار تجاهل تطلعات الشعوب في تلك المناطق لن يؤدي إلا إلى إضعاف دورها الإقليمي وتقويض مصالحها الاستراتيجية؟
إن إعادة تقييم مصر لسياساتها تجاه الجنوب وأرض الصومال، ليست فقط مطلبًا أخلاقيًا، بل ضرورة جيوسياسية لحماية أمنها القومي، في زمن تتعدد فيه القوى الدولية المتدخلة في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
العاصمة عدن
ذكرى النكسة 7- 7- 2025