“ديون للمواطن.. دولارات للإعاشة!”

بقلم / محمد علي رشيد النعماني ..
البنك المركزي اليمني في عدن أعلن عن فتح مزاد لإصدار سندات حكومية طويلة الأجل بقيمة عشرة مليارات ريال وبفائدة سنوية تصل إلى 20%. خطوة وُصفت بأنها “أداة تمويل حديثة”، لكنها في حقيقتها لا تعكس سوى ورطة مالية خانقة، تدفع الدولة إلى بيع مستقبلها بالديون، بينما مواردها تُهدر بسخاء على أفراد لا علاقة لهم بالداخل ولا بمعاناة الناس.
كيف يمكن أن نفهم حكومة تتوسل الاقتراض الداخلي بفوائد فلكية ستثقل كاهل الموازنة لسنوات، وفي الوقت ذاته تصرف ملايين الدولارات شهرياً كـ”إعاشات” لمسؤولين مقيمين في الخارج مع أبنائهم وأقاربهم؟ هل هذه دولة تبحث عن حلول اقتصادية أم شركة عائلية تمارس النهب على المكشوف؟
الاقتراض بهذا الشكل يعني ببساطة أن خدمة الدين وحدها ستلتهم مليارات إضافية، بينما المواطن في الداخل لا يجد راتباً ولا خدمات. والأسوأ أن هذه الديون لا تُستثمر في بنية تحتية ولا مشاريع إنتاجية، بل تذهب لتغطية عجز مفتعل تضخمه نفقات المسؤولين في فنادق العواصم الخارجية، الذين يعيشون برفاهية على حساب اقتصاد يترنح.
السياسيون يبيعون الوهم ويقدمون السندات كخطوة شفافة لتنظيم السوق، لكن الشارع يدرك أن ما يجري مجرد محاولة لتأجيل الانفجار الكبير. فكيف يُصدّق الناس أن الدولة ستسدد أصل الدين بعد ثلاث سنوات، وهي اليوم عاجزة حتى عن وقف نزيف “إعاشات المنفى”؟
الحقيقة أن ما يفعله المركزي ليس إصلاحاً مالياً، بل عملية ترحيل للأزمة، تماماً كما يُرحَّل المسؤولون إلى الخارج مع رواتب بالدولار وإعاشات بالملايين. أما الداخل، فليس أمامه إلا المزيد من التضخم وانهيار العملة وديون تتضخم ككرة ثلج.
باختصار الدولة تستدين من جيوب مواطنيها لتطعم بطون مسؤوليها في الخارج. وهذه ليست سياسة مالية، بل فضيحة أخلاقية واقتصادية مكتملة الأركان.