رآي وفكر

للتاريخ و ليافع :…………………….

✦ فادي حسن باعوم19 أكتوبر 2025


في صباح 14 أكتوبر 2008م، كنت مع الزعيم حسن أحمد باعوم، وأخي فقيد الوطن المناضل فواز باعوم، والأستاذ المناضل العدني الكبير جمال عبادي، المناضل الكبير الشهيد محمد صالح طماح، والفقيد المناضل الصلب ناصر ثابت العولقي، والمناضل فضل العيسائي، في زيارة إلى ردفان — موطن الذئاب الحمر — لإحياء فعالية 14 أكتوبر، حيث حظي الزعيم باعوم باستقبال كبير من أبناء ردفان.
وبعد انتهاء الفعالية، قام أبناء ردفان بواجب الضيافة بكرم جمٍّ.

وعندما هممنا بالعودة إلى عدن، كان للقدر رأي آخر؛ فقد تلقيتُ مكالمة من أحد الضباط الجنوبيين في أمن عدن، يبلغني بأن هناك كمينًا يترصّد موكب الزعيم باعوم في الطريق إلى عدن، وأن علينا إيجاد طريق أخرى.
هنا اقترحتُ على الزعيم باعوم أن نذهب إلى يافع، ومن هناك نرتّب أمورنا في كيفية العودة. حينها أخبرني الزعيم أن هذه فرصة لا تُعوّض لزيارة يافع واستنهاضها، قائلاً:

«يافع شوكة الميزان، وعليك يا فادي أن تكلم فضل العيسائي لترتيب زيارتنا إلى لبعوس.»

وكان ما تمّ.
كان الشاب الخلوق فضل معنا، وتحركنا إلى لبعوس، أرض العيسائي، وهم نعم الرجال وأكرمهم.
وصلنا مساء 14 أكتوبر إلى قرية العيسائي، وأضافونا في بيت فضل العيسائي، وبتنا فيه. وفي اليوم التالي، تدفّق رجال يافع من لبعوس وبقية القرى للسلام على الزعيم باعوم.

وفي اليوم التالي، تلقيت اتصالًا من الفقيد المناضل الكبير عبدالله حسن الناخبي، وكان آنذاك في صنعاء. استهلّ الاتصال بالسلام والتحية وكان معاتبًا، قائلاً:

«يا فادي، كيف تأتون يافع ولا تزورون منطقة ذي ناخب؟ نحن أصهاركم، والآن كلم الوالد، فسوف يأتيه موكب من ذي ناخب على رأسه شيخ الناخبي لأخذكم إلى أرضنا العرقة في ذي ناخب.»

وبالفعل، في اليوم التالي جاء شيخ الناخبي على رأس وفد كبير. وبعد السلام، أعلن شيخ الناخبي أن عبدالله حسن تحرك من صنعاء، وأنهم سيتحركون إلى العرقة ليجتمعوا هناك.
تحركنا في موكب كبير إلى ذي ناخب، وعندما وصلنا كان عبدالله حسن قد وصل من صنعاء؛ أفردوا لنا بيتًا كبيرًا، وأقيمت وليمة كريمة، وتوافد أبناء ذي ناخب للسلام علينا.

لكن عند المغرب لاحظت حركة غريبة؛ كثيرون يترددون على الشيخ عبدالله وينفردون به.
سألته: «هناك شيء… ما هو؟»
فأجاب: «ولا شيء، الأمور طيبة.»
وبعد الإلحاح، أخبرني أن الأمن والجيش اليمني يحاصرون المنطقة، وطالبوا الشيخ عبدالله بتسليم باعوم ومن معه!
قلت له: «هل وصلت بهم الوقاحة إلى هذه الدرجة؟»
فقال: «والله لو نفنى، ما يصلون لباعوم إلا ونحن رماد!»

لم تمضِ لحظات حتى بدأت أعداد الرجال تتوافد من منطقة العرقة والقرى المجاورة، حتى كبار السن جاءوا يحملون أسلحتهم القديمة والغضب يتملكهم.
كانوا يقولون:

«عفاش يريد إهانة يافع حتى نصبح مسبة بين القبائل عندما يأخذون باعوم من أرضنا، ولا والله ما أخذوه ولو نفنى.»

واحتدم الموقف واستعدّ الجميع للمواجهة.
لكن الشيخ عبدالله قال:

«سوف ندعو قبائل يافع، والكل سوف يلبي. فباعوم ليس ضيف ذي ناخب وحدها، بل ضيف يافع كلها.»

كان الوقت حوالي السادسة مساءً، فبدأ الشيخ عبدالله والفقيد طماح بدعوة قبائل يافع، وانتشر الخبر سريعًا في يافع وردفان وحتى الضالع.
وفي حوالي الساعة الثانية فجرًا، فوجئنا بوصول رفيق النضال عارف النسري قادمًا من رصد.
تعجّبتُ كيف وصل رغم الحصار، فأجاب:

«أخذتها مشيًا من رصد عبر طريق جبلية، واستطعت اختراق حصارهم، وأنا عندكم الآن. وأبشركم بأن أغلب قبائل يافع أرسلت رجالها من كل منطقة، والجيش الذي يحاصركم الآن هو المحاصر. هناك حوالي خمسة آلاف مسلح من يافع وردفان يتقدّمهم طاهر طماح وملهم سلام وعلي سيف من ردفان وآخرون. كل يافع مستنفرة الآن، معتبرةً أن عفاش يريد إهانتها بمحاولته اعتقال باعوم في يافع، وهذا جعل حتى الذين يختلفون معنا يؤيدوننا الآن.»

وتوالت الاتصالات من كل حدب وصوب ومن كل منطقة وقبيلة جنوبية، لكن أعلمناهم أن يافع تكفي وتزيد، وأننا في أمان تام.
بعدها أصبح الجيش اليمني الذي كان يحاصرنا هو المحاصر من قبل رجال يافع، وراح يطالب بالوساطة للانسحاب.
وبالفعل، انسحب الجيش.
وفي اليوم التالي، قام الشيخ عبدالله الناخبي ورجال ذي ناخب بواجب الضيافة للرجال الذين لبّوا النداء، فلهؤلاء كل الشكر والامتنان.

بعد انسحاب الجيش، خرجنا من ذي ناخب في موكب مهيب، نردد زامل الشاعر الكبير السليماني:

«يافع بني مالك بني قاصد لاولعت ويش يطفيها ×
ما نتركك يا الأب والقائد لو تحرق الدنيا وما فيها.»

اتجهنا إلى رصد، وأقمنا فيها مهرجانًا كبيرًا لدعوة الناس للمشاركة في الثورة الجنوبية.
تنقلنا بين يهر، وطن، ومعربان، وزرنا أرض الشبحي عند قاسم الشبحي، وكذلك اليزيدي، والفردي، والمفلحي، والكلدي.
استرحنا عند آل الزهر، وعلى رأسهم المناضلان عثمان وبدر الزهر، كما زرنا حبيل جبل ردفان عند آل سلام يتقدمهم المناضل ملهم سلام، وكافة أبناء حبيل جبر الأبطال، وكذا آل الطف.

لم نترك قرية ولا قبيلة في يافع بكل مكاتبها العشرة إلا وحللنا بها.
وكانوا نعم الرجال الكرام، أهل حمية وكرامة وطنية، دائمًا نجدهم ملبّين وداعمين — ثوارًا بالفطرة.

طال تنقّلنا بين قبائل يافع، واستقرّ بنا المقام في مشألة في قرية بين الواديين عند آل طماح الكرام، الذين تحملوا عبئًا كبيرًا نظرًا لتوافد الوفود يوميًا على الزعيم باعوم.
ولا ننسى كذلك آل شُعيلة الكرام، الذين تحملوا تكاليف باهظة، وكانوا دائمًا نعم السند.

من مشألة انطلقنا إلى كل مناطق يافع، وأصبحت العسكرية مقرًّا لنا ولاجتماعاتنا، ومنها أعلن الزعيم باعوم أن مطلبنا هو التحرير والاستقلال.
كانت تلك الانطلاقة التنظيمية للحراك الجنوبي، وإعلان المجلس الوطني واتحاد شباب الجنوب.

وعندما حضرنا لإعلان المجلس الوطني واتحاد شباب الجنوب في منطقة العسكرية بيافع، تعددت الوفود القادمة من المحافظات الجنوبية الراغبة بالانضمام.
كانت هناك وفود لها مآرب أخرى — مرسلة أحيانًا من قبل الرئيس اليمني، وللأسف كان بعضهم جنوبيين — جاؤوا محملين بالإغراءات للزعيم باعوم: مال ومناصب على أعلى المستويات مقابل أن يكف عن دعوته.
لكن الزعيم باعوم، كأحد جبال يافع الشامخة، لم تستفزه المناصب، ولم ترهبه السلطة.
ومن يافع قال الزعيم عبارته الشهيرة:

«الجنوب أرضنا والسماء سقفنا.»

وكانت تلك العبارة ردًا على بعض الجنوبيين الذين كانوا محسوبين على الثورة، لكنهم قالوا: «سقفك عالٍ يا باعوم، فلنطالب بالفيدرالية.»
فكان رده حاسمًا، وبالفعل انتصرنا لمشروع التحرير والاستقلال، وأصبح هو المشروع الوطني.

وللتاريخ وللثورة، فإن يافع لعبت دورًا محوريًا في نصرة الثورة الجنوبية — بجبالها ورجالها ومالها — ولا ينكر دورها إلا جاحد.
فهي كانت الملاذ والملجأ ليس لباعوم وحده، بل لكل الثوار الجنوبيين منذ بدايات الثورة وحتى اليوم.
ولا ننسى دور كثير من رجال يافع وردفان والضالع، وعلى رأسهم المناضلون عوض الصلاحي، وعبدالعزيز المنصوري، وقاسم ومحضار الشبحي، وآخرون كثيرون يعذرونني فجلّ من لا يسهو.

وبإذن الله، سأكتب عن جلوسنا في ردفان والضالع والشعيب، فوالله ما وجدنا هناك إلا النخوة والكرم و وطيب القلوب.

وأنا والله أرى أمام عيني أن يافع ستلعب الدور الأكبر في الحفاظ على الثورة الجنوبية، حتى نيل الاستقلال الناجز — بإذن الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى